لعلّه خير، هذه العبارة طالما سمعناها و ترددت على مسامعنا، فهي ليست جملة عادية ، وإنما قاعدة عظيمة ، لها صلة كبيرة بالايمان بقدر الله و الرضاء بالقضاء والقدر والإيمان التام به. هذه القصة غيرت تفكيري بالكامل حيث أصبحث أرددها في كل مرة أقع في شيء لا أريده أتذكر هذه القصة التي تعلمت منها، بأنه ما يفعله الله هو كله خير حتى وإن كان ظاهره العكس، لكن باطنه خير لنا. فهي رسائل ربانية تعبر عن عظمة الله وحسن صنيعه بعباده حتى وإن كنت ترى عكس ذلك.
القصة :
يروى أنه في قديم الزمان كان هناك أحد الملوك ، وكان معروف عن ذلك الملك حبه الشديد للصيد ، وكان لهذا الملك وزيراً مقرباً جداً منه ، فقد كان الوزير حكيماً وتقياً ، وكان يؤمن إيماناً شديداً بأن أي مكروه يحدث له ، هو ما قدره الله سبحانه وتعالى وهو فيه خير له ، فكان كلما أصابته مصيبة يردد جملته المعتادة : لَعَلّه خير.
وفي يوم من ذات الأيام ، خرج الملك مصطحباً وزيره في إحدى رحلات الصيد المعتادة ، وكان كلما نجح الملك فى اصطياد فريسة ، يردد وزيره جملته المعتادة : لَعَلّه خير .
ولكن حدث أثناء سيرهما فجأة مالا يحمد عقباه ، فقد سقط الملك فجأة في حفرة عميقة في الغابة ، فردد الوزير : لَعَلّه خير ، لكي يهدأ الملك ويخفف من روعه ، ولكن جرح الملك في يده جرحاً عميقاً ، ثم نزف دماً كثيراً من يده ، استدعى ذهاب الملك فوراً إلى القصر وأمر حراسه بإحضار الطبيب .
فقال له الوزير : لعله خير ، وبعد أن رأى الطبيب يد الملك ، قرر أنه لابد من قطع إصبع الملك ، لأنه تسمم وأصبح خطيراً ، وحتى لا يتضرر باقي الجسم ، رفض الملك قطع إصبعه في البداية رفضاً شديداً ، ولكن استمر إصبع الملك في النزف ، مما أضطر الملك ، إلى تنفيذ ما طلبه الطبيب وقام بقطع إصبعه ، وعندما علم الوزير بأن الملك قطع إصبعه قال : لَعَلّه خير .
عندها غضب الملك غضباً شديداً ، وظن أن الوزير فرح بما يحدث له ، فقال الملك للوزير بلهجة حادة وشديدة : وما الخير الذي تراه في قطع إصبعي ؟! ، ثم نادى على الحراس ، وأمر بالقبض على الوزير ، ووضعه في السجن فوراً ، فرد عليه الوزير قائلًا : لعله خير ، ومكث الوزير في السجن مدة طويلة .
مرت الأيام ، وكعادة الملك ذهب في رحلة صيد في غابة بعيدة عن المملكة ، وعندما كان يطارد فريسة ابتعد عن حراسه ، فقامت عليه قبيلة من القبائل وهاجمته ، وأمسكوا به وأوثقوه بنية تقديمه قرباناً للتقرب من الآلهة التي يعبدونها ، وعندما تفحصه زعيم القبيلة ، فوجد إصبعه مقطوعاً ، صرخ فيهم وأمر بفك وثاقه فوراً ، وتركه يذهب من حيث أتى ، وإلا حلت عليهم لعنة الآلهة ، لأنه لابد من تقديم قرباناً صحيحاً إلى الآلهة .
انطلق الملك مسرعاً بعد أن تم فك وثاقه ، وكان غير مصدقاً أنه نجى من الذبح تحت قدمي صنماً لا يغني ولا يفيد ، حمد الله وشكره شكراً جزيلا ، وتوجه إلى قصره ، وقد أدرك أن اصبعه المقطوع هو سر نجاته من الموت المحقق .
بعد أن عاد الملك سالماً إلى قصره ، أمر بإخراج الوزير من السجن والإتيان له به فوراً ، وعندما رأى وزيره روى له ما حدث معه ، واعتذر منه على ما فعله به ، والتفت وسأل وزيره وقال : إذا كان في قطع إصبعي خير ، لأنه نجاني من الموت على يد هؤلاء القوم ! فما الخير الذي رأيته عندما أمرت بسجنك وقلت لعله خير ؟!
ابتسم الوزير وأجابه بإيمان وحكمة قائلاً : لأن منصب الوزير يتطلب منى مرافقتك في كل خطوة تخطوها ، سواء داخل القصر أو خارجه ، فلو كنت اصطحبتني معك في رحلة الصيد هذه ، لكان هؤلاء المجانين أخذوني بدلاً منك وقتلوني تقرباً إلى آلهتهم ، بعد أن اكتشفوا قطع إصبعك ، فقال الملك وقد آمن بالقدر : حقاً لَعَلّه خير .