الأسرة الصالحة ينبغي أن تؤوى وترعى وتصان وتحفظ من عوادي الحياة الخارجية.
فإذا هيأت الأسرة الصالحة ذلك للزوجين بتكافلهما وتعاونهما وتفاهمهما فيزيولوجيا وروحيا كان ذلك سنداً كبيراً للأفراد في نشاطهم الخارجي وقوة كبيرة تمدهم في أعمالهم وجهودهم ، يعتمدونه إذا عصفت بهم العواصف ، قال تعالى ” { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } .
وقالت عائشة ( رضي الله عنها ) : ” النساء شقائق الرجال ”
ومعنى ذلك أن النساء نظائر الرجال في النشأة والأخلاق والطباع ، شقوا جميعا من جبلة واحدة فهم متتامون .
ومن خلال تتبع آيات كتاب الله تعالى وما جاء في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالأسرة المسلمة وأسس تكوينها ، وجميع ما يتعلق بها استطعنا أن نتنبط بعض المقومات والأسس التي تضمن للأسرة تماسكها وبقاءها ، ومنها :
أولا : الاتصال الصحيح بالله تعالى لتكوين الأسرة الصالحة
إن الإنسان لا يتسنى له الاتصال الصحيح بالله تعالى إلا إذا تتبع الله تعالى فأتبعها ونواهي الله تعالى فأجتنبها وذلك من خلال النظر في كتاب الله العزيز ، والنظر في سنة سيد الأولين والآخرين محمد عليه وعلى آله وأصحابه والتسليم.
فالقرآن الكريم ضم بين دفتيه ما يتعلق بحياة الإنسان في جميع مراحل هذه الحياة ، ففيه بيان الأسس تكوين الأسرة الصالحة ، وبيان للضوابط التي تحمي الأسرة من المشاكل والتفكك ، فإذا كان اتصال الزوجين بالله سبحانه وتعالى صادقا ، عاملين بأوامره ، مجتنبين لنواهية وفقهم الله سبحانه وتعالى في حياتهما ، فيعيشان حياة سعيدة بعيدة عن التفكك والتصدع .
هذا من حيث الزوجين أما من حيث أفراد الأسرة الآخرين ، فإذا عملوا بأوامر الله تعالى و اجتنبوا نواهية فإنهم يرتقون بأسرهم إلى المستوى الأعلى والمقام الأسمى الذي يؤهلهم لتنزل الرحمات والبركات من الله سبحانه وتعالى ، أما إذا كان اتصالهم بالله سبحانه وتعالى ضعيفاً بحيث لا يقوم كل فرد من أفراد الأسرة بما أوكل عليه الأمور فإنه يقود الأسرة إلى التشتت والدمار ، وبالتالي الخيبة والخسران .
فالاتصال الصحيح بالله تعالى يعتبر من أهم المقومات التي تضمن للأسر سعادتها في الدار الدنيا والدار الآخرة ، لأن أساسه هو المنهج الرباني الذي بين ما يجب على كل فرد من أفراد الأسرة من واجبات ، وأرشد إلى طريق السعادة في الأسر والمجتمعات .
ثانياً : حسن اختيار الزوج اساس الأسرة الصالحة
تعيش الأسرة الصالحة في سعادة وتماسك إذا سلك الزوجان ما يجعلهما يعيشان في سلام ووئام بعيداً ع المشكلات ، وهذا الطريق لا يوفقان إليه إلا إذا تتبعا كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حيث إن الله تعالى بيّن لنا أسس الحياة السعيدة ، وهذه الأسس ليست بعد الاقتران بين الرجل والمرأة فحسب وإنما منذ أن يبدأ كل من الرجل والمرأة ببناء القاعدة الأساسية التي تحمي الأسرة من التفكك والدمار ، وتسعى بها إلى الصلاح حينما يفكر كل من الرجل والمرأة في الاقتران بالطرف الآخر .
هذه القاعدة هي الاختيار الصحيح لشريك الحياة . قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز “{ فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } .
ففي هذه الآية علق الله سبحانه وتعالى بما تطيب إليه النفس ، لأنه مما لا يخفى على عاقل – أن ما تطيب إليه النفس لا يمكن أن يفرط فيه شخص طابت نفسه إليه وإنما تجد يحافظون عليه فالرجل الذي تطيب نفسه في إمرأة عليه أن يحافظ عليها ، لأنه قد أختارها لتكون أماً لأولاده .
وبالتالي فعليه أن يبتعد عن كل ما يؤثر على الحياة الزوجية تأثيراً سلبياً يؤدي بها إلى التمزق والتفكك ، والنبي صلى الله عليه وسلم بين هذا الأساس فقال : ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، ألا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير “.
ففي هذا التوجيه النبوي جعل الرجل الذي ترضى به المرأة دينا وخلقا هو الرجل الذي يحفظ للأسرة كيانها . وذلك واضح من قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث : … فزوجوه … ” والابتعاد عن هذا المنهج يؤدي إلى وقوع الفساد ، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ” .. ألا تفعلوا تكن فتنة في الأرض .. ” .
” …. وإن إختيار الزوج لأجل خطراً وأعظم شأنا من إختيار الزوجة وذلك لأن التخلص من سوء إختيار الزوجة ممكن بالطلاق أو بالإنفصال أو بالهجر أو أن يتزوج عليها وهي غير راضية عن الزواج الثاني ( فتحدث بينهما مشاكل قد تؤدي إلى حدوث التفكك الأسري ).
5- التوافق البيئي أو أن تكون بيئاتهما متقاربة ، فلو كانت الزوجة من بيئة ريفية والزوج من بيئة حضرية محضة ، فهذا قد يؤدي إلى إختلافات في طريقة الحياة والمعيشة والإحتفال بمواسم معينة وإختلاف في العادات والتقاليد . هذا كله يتلافى إذا كانا من بيئة متقاربة فلا يكون هناك إختلاف شائع في البيئة التي عاشت فيها المرأة والبيئة التي عاش فيها الرجل .
” فقد أوصى الإسلام بمراعاة التكافؤ الاجتماعي بين الزوجين ، فالمتقاربان تتحد اتجاهاتهما ، وتتفق مشاربهما ، وتتقارب وجهات نظرهما ، فتحلوا حياتهما ، ويظلل الأمن والهدوء والتفاهم بينهما ، وقد ترضى فتاة – إرضاء لنزوة عابر – أن تربط مصيرها بمصير رجل أقل منها في المستوى الخلقي أو العقلي أو البيئي ، فإذا بعلها هدف لسهام النقد الصحيح ، فإذا هي أرجح منه عقلا ، وأوفر علماً ، وأمتن خلقا ، وأعلى منزلة ، فلا تلبث أن تتنمر وتتمرد عليه وعلى العيش معه والسكن إليه ، فتكلل حياتهما بالحقد والكراهية والاضطراب .
ثالثاً : الحفاظ على سرية الحياة الزوجية
وذلك لأن حياة الأسرة الصالحة خاصة جداً فما يحدث في المنزل يترك في المنزل ، فلا يخرج الرجل أو المرأة بذلك خارج المنزل ، فقد يخبر الرجل صديقه بالمشكلة ثم يخبر الصديق الناس فتكبر وتصل إلى الأسرة بصورة كبيرة ، وهذه قد تكون بداية لتصدع الأسرة بسبب إفشاء سر الحياة الزوجية .
ويستثنى من المجتمع أن يتدخل أب الزوج في حل مشاكل الأسرة ، لأنه لا يعقل أن يفعل ما يضر بابنه وما يضر بزوجة أبنه .
رابعاً : السكون النفسي
قال تعالى :{ ومن آياته أن خلق لكم أزواجا لتسكنوا إليها … } .
وهذا السكون يتحقق لكلا الزوجين من خلال إتصالهما وإفضاء أحدهما للآخر ، وبه يزول أعظم إضطراب فطري في القلب والعقل ، لا ترتاح النفس وتطمئن في سريرتها بدونه .
وحتى يمكن للزوجين أن يحققا هذا السكون لا بد أن يتبعا المنهج القويم الذي أرشد الله تعالى إليه ، فيقصد كل منهما بما يحصل من الإفضاء إلى الآخر إحصاناً للطرف الآخر وإعفافاً عن الحرام .
قال تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسفحين … } وقال تعالى :{ فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنت غير مسفحت ولا متخذات أخدان } .
وقال تعالى :{ والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسفحين ولا متخذي أخدان …}.
خامساً الرحمة والمودة
فالإسلام قد حرص على أن تقوم حقوق الزوجين وواجباتهما عى أساس من المودة والرحمة ، فقد ربط الإسلام بين الزوجين برباط المحبة يضمهما كما يضم اللباس الجسد فيكون كل منهما لباساً للآخر وفي ذلك يقول الله تعالى :{ هن لباس لكم وأنتم لباس لهن … } . ولم يذكر الله تعالى الحب ، ولم يجعله رباطا بل ذكر المودة والرحمة وجعلهما الرباط ، لأن الحب نزوة جسدية تشبهها الشهوة ، ولا يصلح أساسا لدوام العشرة ، وغالبا ما تنطفئ جذوته بعد الزواج فهو ليس من عناصر الثبات في الحياة الزوجية ، فكم رأينا رباطا قام على الحب ثم ما لبث أن تراخى وأنتهى بالفرقة ، أما المودة والرحمن فهما رباط روحي ، منهما تنشأ المحبة لتلائم بين جسدين تعدهما لحياة مستقرة ومستمرة ومشاركة في إنشاء الأسرة الصالحة.
وقد روي أن عمر بن الخطاب قال لرجل همَّ بطلاق زوجته : لم تطلقها قال : لا أحبها ، فقال له عمر : أوكل البيوت بنيت على الحب . أين الرعاية والذمم ؟
” إن دوام الحياة الزوجية رهن بدوام المحبة بين الزوجين ، والمحبة هي الحب السليم ، يتحول بعد الزواج إلى إحساس بتبادل المودة والرحمة بين الزوجين ، وشعور بالواجب الملقى عبر كل منهما بحيث يسود الحياة الزوجية تفاهم وتسامح ورضا .
وقد عبر زوج عن الوسيلة التي تستديم بها زوجته مودته فخاطبها قائلاً :-
خذي العفو مني تستديمي مودتي ولا تنطفي في ثورتي حين أغضب.
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى فيأباك قلبي والقـلـــوب تقلب.
فإني رأيت الحب في القلب والهوى إذا اجتمعا لـــم يلبث الحب يذهب
وقد قال الله تعالى :{ وجعل بينكم مودة ورحمة } . فحتى تعيش الأسرة في سعادة لا بد وأن تكون المعاملة بين الزوجين تسودها المودة والاحترام ، ويجب أن يكون هناك تعاون مشترك في كل متطلبات الحياة الزوجية ، ومن حيث التعامل مع الأسر ( أسرة الزوج وأسرة الزوجة ) لا بد أن تكون بمودة واحترام .
ومن حيث معاملة الزوجين للأولاد لا بد أن تخيم الرحمة عليهما فيتمكنان من القيام بتربيةالأولاد تربية إسلامية صحيحة ، ورحمتهم هذه للأولاد سبيل إلى السعادة للأسرة والمجتمع ، فعدم التربية الصحيحة يؤدي بالأولاد إلى الأنحراف ويكونون فساد في المجتمع ، أما تربيتهم تربية إسلامية فهي تنتج أجيالا أقوياء يحمون من الانحراف والفساد ” فالإحترام المتبادل بين الزوجين أحد أسرار السعادة الزوجية ”
سادساً : التعاون في تدبير النفقات
تشغل المشاكل المادية جزءاً كبيراً من خلافات الأزواج بصفة عامة ، وغالبا ما تثير الزوجة هذه المشاكل إما بإتهام الزوج بالإسراف أو بإتهامه بعدم توفير الدخل الكافي .
فالزوجان إذا كانا يعملان فعليهما أن يكونا يداً واحدة في توفير لقمة العيش لأبنائهم ولأفراد الأسرة ، وعليهما التعاون في توفير متطلبات الأسرة ، وإذا كانت المرأة تعمل في بيتها فعليها أن تراعي زوجها في الطلبات ، فلا تطلب كل الأشياء التي تراها في بيوت جاراتها أو بيوت صديقاتها وإنما عليها أن تراعي الدخل الشهري لزوجها ، لأنها إذا غالت في الطلبات غير الضرورية ساءت العلاقة بينها وبين زوجها وبالتالي تحدث المشاكل التي قد تكون سببا في تفكك الأسرة وتمزقها ، أما إذا راعت المرأة زوجها واقتنعت بما رزقها الله تعالى ولم تنظر إلى شهوات الحياة الدنيا فإن ذلك يكون سببا من أسباب السعادة ، فالتعاون بين الزوجين في تدبير النفقات له دور كبير في حماية الأسرة الصالحة من التصدع والتمزق .
5- مشاركة الأبناء في توفير إحتياجات الأسرة
ويرى بيرجس ووالين أن الأسرة لا تكون متماسكة إلا إذا توفرت فيها ضوابط في مختلف العلاقات بين الزوجين ، فمثلاً في العلاقات الودية ، فترى أنه إذا كان الحب المتبادل بين الزوجين على معناه الحقيقي لا تشوبه شائبه الحيلة والخداع يكون ذلك سبيلا من سبل السعادة الأسرية ، وكذلك إذا كان هناك إشباع لكل طرف من الطرفن من حيث العلاقات الجنسية ، فهذا من الضوابط التي تحفظ كيان الأسرة من التفكك والمشاكل الأسرية ومن حيث العواطف فالرجل يسعى إلى إراحة زوجته الراحة النفسية ويكون ذلك من أسباب التآلف بينهما ، وكذلك المرأة إذا كانت تسعى إلى إسعاد زوجها وإراحته نفسياً وبدنيا فذلك يؤدي بهما إلى حماية الأسرة من التفكك الأسري .
أما من حيث نمو الروابط بين الزوجين ، فحتى تعيش الأسرة في تماسك للأبد وأن يكون كل من الزوجين موافقا للآخر في الثقافة والميول والقيم ، ومشاركاً له فيما يخص المحيط الأسري سواء أكان ذلك فيما يتعلق بالأبناء أم بالبيت أم بغيرهما من شؤون الأسرة .
ومن حيث رابطة الزواج نفسها وما ينبني عليها ، فعلى كل واحد من الزوجين ألا يستبد برأيه ، وإنما عليه أن يلتزم المبدأ الإسلامي وهو الشورى ، فيتشاور مع الطرف الآخر ، ويشاركه في حل القضايا حتى لا يحس أحد الطرفين بالغربة عن الآخر ، فيكون ذلك دافعا إلى السعي في تفكيك الأسرة والسعي إلى تدميرها .